آلية (14): السيطرة والتحكم المفرط

kid, praying, muslim, islam, faith, religious, prayer, spiritual, mosque, religion, arabic, islamic, child, young, childhood, culture, tradition, muslim, islam, prayer, mosque, islamic, islamic, islamic, islamic, islamic

 

آلية السيطرة هي نمطٌ نفسيّ يلجأ إليه الفرد ليحتمي من مجموعة مخاوف، فيحاول أن يضبط العالم من حوله: الأشخاص، الأحداث، وحتى مشاعره الداخلية.

بالنسبة له، الغموض تهديد، والاستسلام ضعف. لذلك يعيش في يقظة دائمة، يحسب أسوأ الاحتمالات ويخطط لكل التفاصيل، وكأن حياته مرهونة بالتحكّم المستمر.

الجذور: كيف تنشأ هذه البنية؟

تتكوّن آلية السيطرة غالبًا في الطفولة، حين يهتز إحساس الطفل بالأمان.

  • قد ينشأ في بيت فوضوي أو متقلّب، لا يمكن توقّع ردود أفعال أهله فيه.

  •  تعرّض لخذلانٍ أو صدماتٍ أو إهمالٍ عاطفي.
  •  أُثقل بضغط التوقعات العالية أو العقاب على الأخطاء.

  •  دُفع لتحمّل مسؤوليات تفوق عمره تحت شعارات مثل: “أنت قادر” أو “أنت الكبير”.

حينها زرع بداخله اعتقادًا خفيًا:

“إذا سيطرت على كل شيء، وعرفت مسبقًا ما سيحدث، فلن أتأذى.”

الوجه الخفي للآلية:

 للسيطرة ضريبة باهظة: التدفق والعفوية، والقدرة على التسليم والانفتاح على الغموض، تُهمل ويقطع الاتصال بها.

ولأنه لا يجد الأمان داخله، يبحث عنه خارجه عبر التحكم المفرط.

تُدفن في العمق مشاعر عميقة: خوف، ذعر، شعور بعدم الكفاءة أو بعدم القيمة.

قصة نموذجية:

شخص ينظّم تفاصيل إجازته بدقة خانقة: الفندق، الطعام، المواصلات… لا يترك فراغًا للمفاجآت، ولا يثق أن أحدًا قد يتكفّل عنه بشيء.

في طفولته كان يشهد شجارات والديه وانفجارات الغضب المفاجئة. كبر وهو يخطط لكل خطوة.

وذات يوم فاتته الحافلة بلا إنذار، فانهارت خطته. شعر أولًا بالذعر، ثم أدرك أنه –رغم ذلك– ما زال قادرًا على التكيّف. هناك، في لحظة اللا-سيطرة، لمس قوته الحقيقية.

تنمية التعاطف

  • رغبتك في السيطرة ليست ضعفًا، بل وسيلة دفاع ذكية صنعتها ذاتك الصغيرة لتحميك حين لم تجد الأمان.

  • لكن الأمان الحقيقي لا يُبنى بالتحكم، بل بالثقة في قدرتك على العيش وسط الغموض.

  • الترك لا يعني الانهيار، بل قد يكون بداية التماسك.

  • التسليم أحيانًا يكشف لك أن القوة لا تكمن في السيطرة، بل في قدرتك على الطفو وسط المجهول.

الحياة ليست ضدك. إنها تيار يجري، وما إن تستسلم له بثقة، ستكتشف أنه يحملُك بدل أن يغرقك.

خطوات للتكامل

  • مرونة مقصودة: اترك مساحة صغيرة لعدم اليقين في يومك. مثلًا: قرر وجهة نزهتك عند وصولك للمكان بدل التخطيط المسبق.

  • الغموض الآمن: اسمح لنفسك بتجربة مواقف غير متوقعة في بيئات آمنة.

  • التدوين: اكتب ما تحاول السيطرة عليه، واسأل نفسك: ما الخوف الكامن وراء ذلك؟

  • التنفس والتسليم: ردّد داخليًا: “لا أعلم… لكنني ما زلت في أمان.”

  • المشاركة: وزّع المهام، اطلب المساعدة، واسمح للآخرين بأن يكونوا جزءًا من الحمل.

  • المكوث مع الأسئلة: دع بعض الأسئلة بلا إجابات، وتعلّم أن تحتمل الغموض قليلًا.

أسئلة للتأمل

  • ما الذي أبحث عن ضمانه من خلال السيطرة؟

  • ما الذي يوقظه الغموض بداخلي؟

  • متى رغبت أن أسلم للتدفق، لكنني منعت نفسي؟

  • متى آخر مرة استسلمت بلا تخطيط واستمتعت؟

  • كيف يمكنني أن أكتشف قوتي حتى وأنا أترك السيطرة؟

قال لي رجل حكيم يومًا:

“التسليم هو الإيمان بقوة الطفو في الماء.”

فكما يحمل الماء من يثق به، كذلك الحياة: ما إن تؤمن بها، سترفعك.

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *