آلية 19 : التسويف

Blonde woman slumped over desk filled with books, showcasing study fatigue indoors.

آلية التسويف: حين تتحول الفكرة المتكررة إلى هوية

التسويف ليس كسلًا كما يظنه البعض، ولا ضعف إرادة فقط.

هو في جوهره فكرة متكررة تبني وهمًا يبدو مع الوقت واقعيًا جدًا.

في البداية، تزورك فكرة بسيطة بخفة: “سأفعلها لاحقًا.”

ترى أنك بخير وعلى قيد الحياة حتى ولو لم تقم بخطتك، فتكررها مرات عديدة، لأنك رأيت أن التسويف قد لا يؤثر على أمانك بشكل مرعب في الصورة الأصغر لحياتك .. وتكرارها مرات عديدة يخلق نمطًا ذهنيًا — دائرة مريحة تبدو بريئة لكنها تعمل كآلية دفاعية خفية.

مع الوقت، يتبنّى الشخص هوية “أنا مسوّف”، فيصبح هذا الوصف غطاءً يبرّر تأجيله الدائم.

كل مرة يهمّ بالتحرك، تأتي هذه الهوية لتهمس له:

“عادي، أنت أصلا هكذا دائمًا، لا بأس أن تؤجل.”

فتتحول الهوية إلى منطقة راحة مزيفة، يختبئ خلفها حتى لا يواجه القلق، الخوف، أو توقع الفشل.

وبهذا يصبح التسويف حلقة مريحة من الداخل… خانقة من الخارج.

كيف يتكوّن هذا النمط؟

الفكرة البسيطة (“سأفعلها لاحقًا”) تكررت بضع مرات، فخلقت شعورًا بالذنب.

ثم تراكم عليها شعور آخر: جلد الذات، الاستياء، الرفض.

ومع الزمن، تكوّنت طبقات شعورية كثيفة، مثل ألوان متراكبة على لوحة واحدة،

حتى صار الشخص يرى نفسه من خلالها، ويظن أن هذه الألوان هي حقيقته.

لكن الحقيقة أن هذا النمط هو فلتر آخر فقط، هو حجاب نفسي تشكّل من فكرة واحدة تكررت وتوسعت إلى طابع المشاعر والسلوك.

والوعي بهذه الحقيقة هو الخطوة الأولى لتفكيكه.

التمرين الأول: رؤية الحجاب

اجلس في مكان هادئ.

استحضر لحظة تسويف حديثة — شيئًا كنت تعرف أنك تريد فعله، ولم تفعل.

بدل أن تلوم نفسك، اسألها بهدوء:

“ما الذي كنت أحاول أن أحمي نفسي منه عندما سوّفت؟”

لاحظ إن كان هناك خوف من الفشل، أو خوف من النجاح، أو إحساس بعدم الجدارة.

التسويف لا يحاربك، بل يحميك من ألم ما، ولو بطريقة غير ناضجة.

فقط رؤيته بهذا الشكل تذيب جزءًا من الحجاب.

التمرين الثاني: تفكيك الهوية

اكتب جملة:

“أنا لست مسوّفًا، أنا فقط أتعلم أن أتحرك رغم الخوف.”

كرّرها كل يوم صباحًا قبل أن تبدأ مهامك.

الفكرة الجديدة تحتاج أيضًا إلى تكرار حتى تبني هوية جديدة.

كلما كررتها، تزرع طبقة جديدة من الحرية فوق طبقة العادة القديمة.

التمرين الثالث: تحويل الفعل إلى طقس

اختر مهمة كنت تؤجلها منذ فترة.

قبل أن تبدأها، خذ ثلاث أنفاس بطيئة، وقل لنفسك:

“سأبدأ، لا لأنني مستعد تمامًا، بل لأني حاضر الآن.”

ثم قم بالخطوة الأولى فقط.

غالبًا، لا يحتاج الفعل إلا إلى بداية صغيرة،

تفتح الباب من وهم التسويف إلى حقيقة الحضور.

في النهاية..

التسويف لا يقول عنك شيئًا سلبيًا.

هو فقط مرآة تظهر علاقة عقلك بالفعل والخوف والجهد.

حين ترى الحجاب وتبدأ في تفكيكه بحضور،

تكتشف أن خلفه مساحة واسعة من الحيوية والرغبة الصافية في استثمار طاقة الحياة بوعي في محاكاتك التي تعيشها.

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *