آلية 18 : الهلوسة النفسية
آلية الهلوسة النفسية: عندما يتكلم اللاوعي بصوت عالٍ
قد تبدو الهلوسة في ظاهرها اضطرابًا إدراكيًا يُبعد الإنسان عن الواقع، لكنها في عمقها آلية دفاع داخلية يحاول بها العقل حماية نفسه من ألم لم يُحتمل.
حين تتعرض النفس لجرح شديد أو صدمة مبكرة لا تجد لها منفذًا آمنًا، يبدأ اللاوعي في خلق مشاهد وصوتيات وصور ذهنية تغطي الحقيقة، لتخفف من وطأة الصدمة الأصلية.
محاولة العقل ذكية، ولكنها قد تكون مضيعة للهروب من مواجهة ما لا يمكن احتماله.
الظلام: حين يُعاقَب الصوت بدل أن يُفهَم
المجتمع غالبًا ما يرى الهلوسة كعلامة “جنون” أو ضعف، بينما في الحقيقة هي نداء من عمق النفس يقول: “انظر إليّ، هناك شيء لم يُرى ولم يُشفَ بعد.”
الشخص الذي يهذي ليس غريبًا عن الواقع، بل غارق فيه أكثر مما يُحتمل.
الظلام ليست في الهلوسة نفسها، بل في نظرتنا إليها.
حين نُطفئ الصوت دون أن نفهم الرسالة، نفقد فرصة نادرة لفهم أكثر طبقات النفس هشاشة وصدقًا.
التعاطف كمدخل للشفاء
الهلوسة ليست خصمًا نُحاربه، بل بابًا إلى ألم لم يُسمَع بعد.
بدل أن نحكم أو نخاف، يمكن أن ننصت.
أن نتعامل مع التجربة كما نتعامل مع حلم رمزي، يحمل في طياته إشارات من اللاوعي تحاول الوصول إلى السطح.
الاحتواء لا يعني إنكار الخطر الطبي، لكنه يعني أن نُعيد للإنسان شعوره بالأمان، بأن ما يحدث له مفهوم، قابل للفهم والاحتواء مهما كانما يرويه غير منطقي.
كيف نبدأ رحلة الشفاء من الهلوسة
الشفاء لا يبدأ بإلغاء التجربة.. يبدأ التشافي بفهم الهلوسات دون ذوبان فيها.
وهنا خطوات عملية تساعد على استعادة الإدراك والتجذر في الواقع:
تمرين التأريض (Grounding):
امشِ حافيًا على الأرض، ركّز على ملمس التراب أو العشب تحت قدميك، واستشعر وزن جسدك ووجودك الكامل في اللحظة.
تمرين المراقبة الواعية:
اجلس بصمت وراقب الصور والأصوات التي تظهر في ذهنك دون مقاومة.
تخيّلها كغيوم تمر في السماء، تظهر وتختفي دون أن تُعرّفك أو تلتبسك كفاعل فيها.
الكتابة كمرآة:
دوّن ما يظهر لك أثناء اللحظات المضطربة، ثم عد لقراءته بهدوء بعد استقرارك.
اسأل نفسك: “ما الذي تحاول نفسي أن تخبرني به من خلال هذه الصورة؟”
تنفس الوعي:
استنشق ببطء حتى العدّ إلى أربعة، ثم ازفر حتى ستة.
هذا الإيقاع يرسل إشارة للأعصاب بأن الخطر قد زال وأن الجسد آمن.
الاحتضان الجسدي:
ضع يدك على صدرك أو كتفك وقل لنفسك: “أنا هنا، أنا بأمان، وهذا فقط شعور يعبر.”
هذا التلامس البسيط يُعيدك إلى جسدك وإلى اللحظة.
من الهلوسة إلى الوعي
حين نبدأ في الإصغاء بدل المقاومة، تتحول الهلوسة من صوت مشوّش إلى حكاية تنتظر أن تُروى.
إنها ليست عدوًا بل مرآة لتجارب لم نسمح لأنفسنا برؤيتها.
وحين تُضاء المرآة بالوعي، يتلاشى الخوف، ويبدأ الصوت الداخلي بالتحول إلى بوصلة لا إلى تهديد.
الوعي لا يُنكر الظلال، بل يحتضنها حتى تعود نورًا.
استجابات