آلية (17) : الكبت الداخلي
آلية الكبت الداخلي هي إحدى أكثر الآليات النفسية التي تعمل في الخفاء \ الظل.
تتشكل عندما يتلقّى الإنسان أصواتًا ورسائل من العالم الخارجي (الأهل، المدرسة، المجتمع، الدين، الأصدقاء) ويُدخلها إلى داخله دون أن يمرّرها على وعيه أو يسائلها. مع الوقت، ومع التكرار تتحول هذه الأصوات إلى “شرطة داخلية” تُراقبه، وتوجّهه، وتفرض عليه قيودًا لا يجرؤ على كسرها.
كيف تتكوّن؟
غالبًا ما تتشكل في الطفولة، عندما يكون الطفل في حالة تلقٍ كامل لكل ما يُقال له، خصوصًا من الأشخاص الذين يمثلون له الأمان أو الحب.
الطفل الذي سمع باستمرار: “عيب، اسكت، لا تبكي”… يتعلم أن مشاعره غير مرحب بها، فيكبتها.
الطفلة التي نشأت مع أم تقول لها دائمًا: “لا تكوني أنانية، أعطي غيرك أولًا”… قد تنشأ بداخلها آلية تمنعها من المطالبة بحقوقها أو قول “لا”.
من عاش في بيت فيه نقد قاسٍ دائم، يتبنى صوت الناقد في داخله، ليصبح سجّان نفسه.
مظاهر الكبت الداخلي في الحياة اليومية
نقد ذاتي مستمر يعيق الإبداع والجرأة.
شعور بالذنب عند أخذ مساحة شخصية أو وقت خاص.
قلق دائم من إرضاء الآخرين، والخوف من الرفض.
انفجارات مفاجئة من الغضب أو الحزن، لأن المشاعر المكبوتة تبحث عن منفذ.
صعوبة عميقة في معرفة: “ماذا أريد أنا حقًا؟”.
لماذا مهم أن نتحرر من هذه الآلية؟
الكبت الداخلي يخلق هوة بين الذات الحقيقية والذات المزيفة. يعيش الشخص دورًا ليس هو، يرضي الآخرين أو يلتزم بما “يجب”، لكنه يبتعد عن جوهره.
وهذا ما يولد الشعور بالفراغ الداخلي، الانفصال عن الذات، أو حتى أعراض جسدية (تشنجات، صداع، آلام في المعدة) لأن الجسد يصبح ساحة لتفريغ ما تم كبته.
خطوات التحرر من الكبت الداخلي
الوعي بالصوت الداخلي:
راقب حوارك مع نفسك. هل يتحدث معك صوتك الداخلي بحب ولطف؟ أم بلهجة قاسية تشبه شخصًا ما من الماضي؟
تمييز المصدر:
اسأل نفسك: “هل هذا الصوت صوتي الأصيل؟ أم أنه نسخة من أبي/أمي/المجتمع؟”.
إعادة الملكية:
عندما تكتشف أن الصوت ليس لك، يمكنك أن تعيده رمزيًا لصاحبه: “هذا صوت أبي وليس صوتي. اخترت أن أسمع صوتي أنا الآن”.
تحرير الجسد:
استخدم التنفس، الحركة، أو الكتابة للتفريغ. الجسد يحمل آثار الكبت أكثر من العقل.
إعادة بناء الصوت الداخلي:
استبدل العبارات القديمة بأخرى أصيلة: بدلًا من “أنا فاشل”، قل “أنا أتعلم وأتطور”.
تمارين وعي عميقة
التمرين الأول: دفتر الأصوات
افتح صفحة واكتب في العمود الأيمن: الجملة التي يقولها لك صوتك الداخلي.
في العمود الأيسر: اكتشف مصدرها (أمي، أبي، المدرسة، المجتمع).
في الأسفل: اكتب جملة بديلة أصيلة تعبر عنك اليوم.
التمرين الثاني: رسالة إلى الذات المكبوتة
اجلس في مكان هادئ، واكتب رسالة تبدأ بـ: “إلى ذلك الجزء الذي لم يُسمح له أن يتكلم…”
دع الكلمات تتدفق، واكتب ما لم يُسمح لك قوله في طفولتك أو شبابك.
اقرأ الرسالة بصوت مسموع، ثم مزّق الورقة أو احتفظ بها كإعلان تحرر.
التمرين الثالث: تمرين الجسد
قف، خذ نفسًا عميقًا، وأخرج صوتًا مسموعًا مع الزفير (حتى لو كان صرخة مكتومة أو همهمة).
حرّك يديك أو رجليك بعفوية، كما لو كنت تزيح عنك ثقلًا قديمًا.
لاحظ كيف يتغير شعورك في الداخل.
✨ خلاصة:
الكبت الداخلي ليس حقيقة عنك، بل هو برنامج متوارث. التحرر يبدأ من الوعي بأن تلك الأصوات ليست صوتك، بل أمانة أُودعت داخل اللاواعي عندك. حين تجرؤ على استعادة صوتك الأصيل، تبدأ بالعيش في حضورك الكامل، وتسترجع حرية أن تكون أقرب من حقيقتك وقيمتك بصدق.
استجابات